حذّر جيسون بيرك من أن الحرب التي شنّتها إسرائيل على غزة خلّفت ما وصفته الأمم المتحدة بـ“هاوية مصنوعة بشرياً”، وأشارت إلى أن إعادة الإعمار قد تتجاوز كلفتها 70 مليار دولار على مدى عقود طويلة، في ظل دمار واسع طال كل مقومات الحياة وبنية الاقتصاد المحلي، ودفع السكان إلى مستويات غير مسبوقة من الفقر متعدد الأبعاد.

 

وفي ثاني الفقرات، أوضحت الجارديان أن وكالة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية رصدت انهياراً شبه كامل في ركائز الصمود داخل القطاع، حيث واجه سكانه البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة ظروفاً قاسية شملت فقدان الدخل، وتراجع الخدمات العامة، وتدهور البيئة الاجتماعية والاقتصادية إلى مستويات حرجة تستدعي تدخلاً عاجلاً واسع النطاق.

 

اقتصاد ينهار ومؤشرات تعود عقدين إلى الوراء

 

سجّل تقرير الوكالة تقلصاً في اقتصاد غزة بنسبة 87% خلال عامي 2023 و2024، ما أدى إلى هبوط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى 161 دولاراً فقط، في واحد من أدنى المعدلات عالمياً. وأكد التقرير أن هذا الانكماش الحاد محا مكاسب عقود من التنمية في غزة والضفة الغربية معاً، إذ عاد الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني إلى مستوى عام 2010، بينما تراجع نصيب الفرد إلى مستوى 2003، ما يعني ضياع 22 عاماً من التقدم في أقل من عامين.

 

وحذّر التقرير من أن العنف، وتسارع التوسع الاستيطاني، وقيود حركة العمال، دمّرت إمكانات الاقتصاد في الضفة الغربية، بينما قيّدت الإيرادات الهابطة وحجز التحويلات المالية السلطة الفلسطينية عن صيانة الخدمات الأساسية أو الاستثمار في التعافي، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى إنفاق ضخم لإعادة بناء البنية التحتية المدمرة ومعالجة الأزمات البيئية والاجتماعية المتفاقمة.

 

هدنة هشة وخسائر بشرية مستمرة

 

بدأت هدنة بوساطة أميركية بين إسرائيل وحماس في أكتوبر بعد عامين من القتال، ورغم هشاشتها حافظت على قدر من الاستقرار النسبي. أعلنت وزارة الصحة في غزة مقتل ما لا يقل عن 342 فلسطينياً بنيران إسرائيلية منذ سريان الهدنة، بينما قالت إسرائيل إن ثلاثة من جنودها قُتلوا خلال الفترة نفسها.

 

أعلنت حركتا حماس والجهاد الإسلامي استعدادهما لتسليم رفات رهينة إسرائيلية إضافية وفق شروط الاتفاق، بينما وصفت إسرائيل التأخير في التسليم بأنه خرق للهدنة. وفي موازاة ذلك، ظل الغموض يلف آلية تنفيذ خطة طرحها دونالد ترامب من عشرين بنداً لمستقبل غزة، سواء في متطلباتها العاجلة أو ترتيبات الإعمار طويلة الأمد.

 

اندلع النزاع عقب عملية نفذها مسلحون بقيادة حماس في 7 أكتوبر 2023، أسفرت عن مقتل نحو 1200 شخص، غالبيتهم مدنيون، واختطاف 251 آخرين داخل إسرائيل، بينما أسفرت الهجمات الإسرائيلية اللاحقة عن مقتل أكثر من 69 ألف فلسطيني، معظمهم مدنيون، ولا تزال جثث الآلاف تحت الأنقاض.

 

معاناة يومية وأزمة غذاء خانقة

 

فرض الواقع الجديد ظروفاً معيشية قاسية داخل غزة، التي انقسمت فعلياً بعد الهدنة مع سيطرة القوات الإسرائيلية على أكثر من نصف مساحتها. وأفاد برنامج الغذاء العالمي بأن غالبية الأسر تعجز عن شراء احتياجاتها الأساسية من الغذاء، رغم انخفاض الأسعار مؤخراً، إذ بقيت الكميات المستهلكة يومياً أقل بكثير من مستويات ما قبل الحرب.

 

اعتمدت الأنظمة الغذائية على الحبوب والبقول وكميات محدودة من الألبان والزيوت، مع ندرة شديدة في اللحوم والخضروات والفواكه. وقلّ غاز الطهي إلى حد كبير، ما دفع كثيراً من العائلات إلى حرق البلاستيك أو مواد بديلة لإعداد الطعام، في مؤشر صارخ على تراجع نوعية الحياة وتآكل مقومات الصحة العامة.

 

أفرجت حماس منذ بدء الهدنة عن جميع الرهائن الأحياء العشرين وأعادت رفات معظم القتلى من أصل خمسة وعشرين، بينما أطلقت إسرائيل سراح نحو ألفي أسير وأعادت جثث مئات الفلسطينيين. وعلى الصعيد الدولي، منح مجلس الأمن دعماً رسمياً لخطة تقضي بإقامة حكومة فلسطينية تكنوقراطية مؤقتة في غزة، تحت إشراف مجلس سلام دولي وقوة أمنية متعددة الجنسيات، كجزء من مقاربة انتقالية لإدارة القطاع وإعادة بنائه.

 

تخلص التقارير الأممية إلى أن التعافي حتى مستويات الاقتصاد قبل أكتوبر 2023 قد يستغرق عقوداً، حتى مع تدفق مساعدات كبيرة، ما يضع المجتمع الدولي أمام تحدٍ إنساني وتنموي هائل، يتجاوز مجرد إعادة الإعمار المادي إلى إعادة بناء النسيج الاجتماعي واستعادة الأمل في مستقبل قابل للحياة.

 

https://www.theguardian.com/world/2025/nov/25/rebuilding-human-made-abyss-gaza-un